Tuesday, April 21, 2015

العقلانية .. نعمة أم نقمة ؟



"عندما تتصف المرأة بالعقلانية في مجتمعاتنا الشرقية، فإنها توصم بها ولا تتميز بها "، جملة قالها لي أحدهم في سياق الحديث عن طرق تفكير متعددة. فالمرأة في تلك المجتمعات وُضعَت في قالب لا ينبغي لها أن تخرج عنه، فهي التي يجب أن تستمر في قصة حب تعلم أنها فاشلة لكيلا تُتَّهم بعدم الإخلاص، وهي التي يجب أن تنصاع للأوامر من زوج أو حماة أو حتى أب، وهي التي يجب ألا "تخرب بيتها" بيديها وغيرها من القوالب.وأود أن أتحدث هنا عن القالب الأول، أي الاستمرار في قصة حب فاشلة، وأن أوجّه خطابي إليكنّ معشر النساء. ماذا لو اقترب موعد تقدم ذلك الشاب لكِ، وأنتِ تعلمين تمامًا أنه مريض بمرض ينتقل بالوراثة، ولنقل السكري مثلًا ؟ هل ستوافقين ؟ هل ستبدئين مشوار حياتكِ مع من أردتِ الارتباط به سنوات ورسمتِ أحلامًا وردية لما ستفعلانه معًا بعد الخطبة وبعد الزواج؟ أم أن هناك صوتًا بداخلك سيحدثكِ بـ"لا" ! ، انتظري لحظة، إنه مريض بالسكري، وينتقل هذا المرض وراثيًا من الأب للأبناء باحتمالية أكبر من انتقاله من الأم لهم ؟ تأتي هنا لحظة الاختيار التي لم تحسبي لها حسابًا في خططكِ السعيدة. البعض يقول إن هذه بالطبع فرصة حياتها التي لا يجب أن تضيعها، فغيرها من الفتيات يتمنّين الزواج بمن يحببن وأن مرض هذا الشاب ليس بيده بل هو إرادة الخالق جل في علاه. إن كنتِ عاطفية كالكثير من فتيات الشرق ستقولين إني أحبه حبًا جمًا وقد لا تتسنّى لي هذه الفرصة مرة أخرى في حياتي،ثم إن احتمال إصابة أولادي مستقبلًا بمرض السكري ليس مؤكدًا مائة بالمائة وأن الأمراض والأعمار بيد الله وحده، يجب أن أكون أكثر إخلاصًا له من أن أتركه في محنة كهذه، وهو الذي يحتاج إلى من يؤازره ويربت على كتفه عندما تنقض عليه أعراض المرض،ولن يكون إلى جانبه حينئذٍ سواي، ببساطة لأنه أحبّني أنا واختارني أنا وكذلك أحببته واخترته أنا ! وغير ذلك من الفِكَر الرومانسية الحالمة. أما إذا كنتِ عقلانية كندرة من الشرقيات، قد تمتلكين رومانسية جميلة ولكنكِ ستعيدين النظر في موضوع الزيجة ككل، ستأتيكِ مخاوف من الشرق والغرب، سيخبركِ عقلكِ بأن أولادكِ مستقبلًا قد يدفعون ثمن أنانية والديْهم وقد يعيشون في عذاب مقاومة مرض لا شفاء منه في حال إصابتهم به، سيخبركِ عقلكِ أيضًا أن وهَنَ زوجكِ سوف يكون مبكرًا وقد تظهر عليه مضاعفات المرض سريعًا فلا ينام ليلًا بسبب كثرة التردد على المرحاض،ويرفض الغطاء في صقيع الشتاء لأنه يحصل على التدفئة اللازمة بسبب احتراق أعصاب أصابع قدميه، وغير ذلك من المخاطر الصحية المحدِقة به نتيجة لهذا المرض والتي قد تفتك بصحته يومًا ما، فلا هو بحي ولا هو بميت. والسكري مرض جسدي قد يُكتَشف له علاج في يوم من الأيام، ولكن الأمراض النفسية التي قد تُسمَّى أحيانًا بالطباع، تلك التي لا يمكنكِ تغييرها تمامًا مهما حاولتِ،لا شفاء منها، هذا إلى جانب غيرها من الأمراض النفسية. أضيفي إلى ذلك أن الرسول عليه الصلاة والسلام أخبرنا أن نعقلها ونتوكل، وأنه علينا الأخذ بالأسباب قبل الإقدام على أية خطوة في حياتنا، فمن باب أولى يحسُن بكِ اختيار زوج معافًى لكِ وأبٍ صحيح لأولادك،ومصارحة من كنتِ تحبينه بكل ما يدور في خاطركِ بمنتهى الصراحة إن شاء تقبّل وإن لم يشأ فليس بوسعكِ أن تقدمي له أكثر مما قدمتِ من مواساة !


ويُعرضنا لهذا الإشكال أن حياتنا مليئة بالأشياء غير المضمونة، وأن عقولنا دائمًا ما تتأرجح بين الاحتمالات وأن قلوبنا تتمزّق أثناء جلوسنا على مقاعد الانتظار، ننتهي من انتظار شيء لنقع في شرك انتظار شيء آخر، وكأنّما خُلِقنا لننتظر .. لننتظر ما نعلم تمام العلم أنه قد لا يأتي،وإن أتى قد يذهب مع الريح بين عشية وضحاها، ومع ذلك نتسامح فيما ضاع ونظل نمارس الانتظار بأريحية وتسليم. وقد يسعني هنا أن أسوق لكنّ أيتها النساء مثالًا آخر أظنّ أنه سيجعلكن تتفكرْن وتعِدن النظر في حياتكن. إذا كنتِ تتمنين شابًا بعينه وبمعنى أدق تنتظرينه، وبعد الوعود التي قدّمها لكِ بأنه الفارس الذي سيأتي لتركبي حصانه الأبيض وبأنه الأب الذي سيحنو على قلبكِ ويشفق على إرهاق جسدكِ من متاعب العمل والركض خلف الأولاد وبأنه المستمع الجيد الذي سيستمع إلى بكائك بلا تذمر وسيأخذ جملكِ غير المترابطة على محمل الحب بل وسيحتضنكِ بكل حنان وود، ولكِ أن تتخيلي ما تشائين من الصور الخيالية الرائعة، بعد كل تلك الوعود اكتشفتِ مثلًا أن والديه يتدخلان في حياته بتملكِ شديد وأن قراره ليس بيديه باختصار. إن كنتِ عاطفية ستتغافلين عن هذا العيب وستقولين إنه سيختفي بعد الزواج وأنكِ ستضعين حدًا لهذا التدخل السافر في شؤون منزلك بكل سهولة ! أما إذا كنتِ عقلانية، فستفكرين ألف مرة قبل الارتباط بهذا الشاب، ستضعين كل موقف سيحدث فيما بعد نُصب عينيكِ، ستذكركِ مخاوفكِ وشكوككِ بأنه قد تحين ساعة مخاضكِ ولن تجديه بجانبك ببساطة لأن والدته وحيدة وفي حاجة إلى جليس،في حين أن هناك من أبنائها وبناتها من هو أقدر على مجالستها منه ! وإذا اعترضتِ فلن تجدي من يقف في صفكِ حتى الأقربين إليكِ ! ستقودك ذاكرتك إلى تعليقاتها السخيفة على طريقة حياتكِ وطريقك مأكلكِ ومشربكِ وملبسكِ وحتى نظافتكِ الشخصية،وما خفي كان أعظم ! وستقودكِ أيضًا إلى تعليق والدِه على هرجِ ومرجِ أطفالك وهو الذي لا يعلم بكيفية تربيتهم مثلك ! وما أكثر الأمثلة ! وما أكثر المخاوف والتساؤلات ! وعند هذا الكم من التساؤلات والمخاوف تتحطم آمالك على صخرة الوهم،وستجدين ما كنتِ على وشكِ الحصول عليه من الأمان سرابًا، وستختفي الثقة التي هي من أهم ألبِنة البيت السعيد والحياة المستمرة للنهاية إن لم تكن أهمها على الإطلاق، لستُ بحاجة لأن أخبركِ ما معنى فقدان الأمان والثقة، الحاجتين الأساسيتين لأية امرأة في الدنيا، فأنتِ أكثر دراية بهذا مني ..


وفي النهاية، كإحدى فتيات الشرق، لا أعلم ما كنتُ لأفعل لو كنت مكانكِ، فليس من احترق بالنار كمن شاهدها، وأتمنّى لكِ اختي سديدًا وعقلانية تُحسَدين عليها لا تحاولين إخفاءها، ولا مانع من بعض العاطفة تكون كنسمة هواء رقيقة في يوم شديد الحرارة. وأتمنى لكل صديقاتي أزواجًا يقتدون بنبيّهم رجولة ومروءة وقوة وحنانًا،أتمنى لكنّ السعادة في الدنيا والآخ.


على الهامش: شكرًا لـ Sara Hussein التي شجعتني بعدما كنتُ يائسة من فكرة الكتابة برمتها :)) <3

Tuesday, September 9, 2014

على طريق سفر - #صورة_تحكي_2


عذرًا، فأنا لأول مرة أغدو غير منتظمة في شيء، ولا حتى في التدوين، إحدى أقرب الأعمال إلى قلبي .. ويحكي هذا المشهد جزءًا من صراعي بين الانتظام وعدمه على مدار فترة ليست بالقصيرة، بل إنه صراع داخلي قائم في نفسي منذ زمن. اكتشفت أن السفر بالفعل يغيّر الإنسان، يغير نظرته للحياة وللبشر وأيضًا لنفسه.. في تدوينة أخرى قد أكتب باستفاضة عن ذلك الموضوع.لكن هنا، رغم ما يشوب النيل من أشياء طافية على سطحه طامسة من جمال ملامحه الكثير، إلا أني كلّما مررت بهذا الطريق في مدخل مدينة بنها فزعت من مقعدي في القطار ونظرت إليه بفرحة تشبه فرحة طفل صغير بلعبة كان يتمنّاها،وارتسمت على محياي ابتسامة لا إرادية عريضة.. تظل فرحتي برؤية هذا المنظر كل مرة كأول مرة منذ سنوات طويلة، فأنا قليلة عهدٍ بالسفر وبالمسافات وبالأنهار والبحار. لعل الله قد رزقني بمثل هذا الظرف في حياتي لكي يعلّمني الكثير مما أجهل ولكي يؤدبني ويربيني على أن أكون أكثر كياسة فيما هو آتٍ في حياتي، والأهم من ذلك لكي يرزقني تلك البهجة الصغيرة التي أشعر بها في كل مرة رأيت فيها منظرًا

كهذا، ربما لأنه يعبر عن صفاء أتمنى أن أشعر به، ولو كان يعتريه العَكَر ..

دفتر منها - #صورة_تحكي_1


إنه ذلك الدفتر .. الذي أهدتني إياه إحدى أعز صديقاتي .. جميل وبهيّ مثلها،كانت تلك أول هدية أتلقاها منها، والحق أقول كانت هدية غير متوقعة، لأنني كنت قد طلبتها ممن أهدتني إياها لأني لا أعرف من أين لي بمثلها وفاجأتني تلك الصديقة الحبيبة بأنها هدية، سعدت بها سعادة بالغة، لجمال شكلها، ولأنها رباط محبة رُبِط على قلب كلٍّ منّا ولن تنساه كلتانا ما حيينا.. يحمل هذا الدفتر في طيّاته أذكار الصباح والمساء وبضعًا من الأربعين النووية .. لم أستطع أن أضع تلك اللآلئ من الكلمات والعبارات سوى في محارة نفيسة كهذا الدفتر .. كان هذا الدفتر من أجمل ما تلقّيت، فهو ليس مجرد هديّة ماديّة، وإنما تذكار ودلالة على حب عميق في الله، ورغبة في حفر جميل الذكريات في القلب والوجدان .. وألوان أحبها وأختارها كلما سنحت لي فرصة لاختيار شيء ما .. ليس هذا الدفتر محض شيء، إنه جزء من حكاية وجزء من حياة..

Wednesday, July 2, 2014

تأمل في الملكوت ..

في حب ربنا .. بحاول أتخيل حياتي لو مكانش فيها ربنا..لو مكانش فيها حد أتوجه له لما أتضايق ولو بنص دعوة ولا حتى كلمة.. لو مكانش فيها حد آخد رأيه لما يضلم بيا الطريق وأحتار بين ده وده.. لو مكانش فيها حد بياخد باله من تفاصيل جروحي الصغيرة وفرحاتي الصغيرة من غير ما أطلب منه وكمان بيطبطب عليا من غير حساب.. لو مكانش فيها حد أكبر من الكل أتحامى فيه وياخدلي حقي ف بلد الكوسة وحتى ف المجتمع الصغير اللي أنا عايشة فيه.. ولو مكانش فيها حد كبير وعظيم وكريم وحليم وغفور بكل ما تحمل كل كلمة من دول من معنى.. كانت هتبقى كلها ضلمة، ضياع، خوف، مليانة أحلام ضائعة ويأس من الدنيا وكره للناس وكره لنفسي ولوجودي ف الدنيا، كانت هتبقى أصلًا من غير هدف ولا كان هيبقى في نهاية للمطاف .. مكنتش أنا هبقى موجودة أصلًا !


طبعًا الكلام ده مش تعبير عن غروري لأني مسلمة وغيري ملحدين ومش مؤمنين بوجود ربنا أساسًا وغيرهم.. لكن في أوقات بتغمرني لذة عظيمة ورغبة في القرب من ربنا.. مش عشان أنا كويسة، لكن عشان هو رحيم وعاوز يدخلني الجنة ويدخلنا كلنا .. ولا يمكن عشان هو بيخليني أكبر عشان أعرفه أكتر وأحبه أكتر .. مش عارفة بالظبط .. لكن اللي متأكدة منه إنه دايمًا موجود وإني لازم أكون قريبة منه .. مفيش راحة من غيره .. مليش غيره، كلهم رايحين وهو بس اللي باقي..


عن المكتوب النافذ بكتب .. دايمًا في جملة بتتقالي من واحدة ست كبيرة غالية عندي أوي بتقول: "رجلك متقدرش تخطي خطوة كده إلا بأمره .. نَفَسِك ده ممكن يخرج ميدخلش تاني، لكن بيدخل .. عشان هو أمر بكده، عشان هو كاتبلك لسه عمر" -والكلام ده طبعًا بيتقالي لما بتجيلي حالة القلق اللعين اللي مش بتسيبني إلا لما أبقى منهارة ؛ لما بفكّر في الكلام ده في لحظات الصفا بقول يا لهوي هو إيه الجمال ده؟؟ وإزاي أنا عايشة مش بفكّر في كده ولا حاسة بكده طول الوقت ؟! وإزاي لما بيتقالي كده دموعي مبتقفش وابتسامتي مبتترسمش وقلبي مبيهداش في ساعتها؟!


في الستر الرهيب بقول .. لما بفتكر كل المواقف اللي عدت عليا وقد إيه ربنا سترها معايا بتجيلي حالة ذهول لمدة دقايق ..لما كنت في ثانوية عامّة وكنت ببقى ناقصة درجة واحدة ومرعوبة أحسن المدرس يضربني –عشان بيلم عاطل مع باطل- وكنت ببكي بالدموع من الخوف ويشوف ورقتي ويقولي عدي .. قد إيه كنت بحس بفرحة ورعشة وبقول: "الحمد لله الحمد لله .. سترتها يا رب ..شكرًا أوي يا رب" لدرجة إن زمايلي كانوا بيضحكوا :D .. ولما أبقى في الكلية ومش مذاكرة كويس وداخلة الامتحان كده ببركة دعا الوالدين .. وألاقي نفسي افتكرت كل اللي قريته حتى مش حفظته، ولما النتيجة بتطلع وبلاقي نفسي جبت تقدير كويس مكنتش متوقعاه .. وأصلًا لما اتولدت وكان متوقع إن ماما ربنا يخليهالي تموت في أي لحظة ومكانتش بتقوم من السرير طول التسع شهور .. كل ده عشان هو موجود، وعشان هو كاتبلي الستر لأنه عارف إني مكنتش هقدر أعيش من غيرها وعشان بيحبني رغم إني مستاهلش .. ناهيك بقى عن عقابه الرباني لما أقول لحد كلمة مش كويسة .. مبيعديش يوم إلا لما يتقالي نفس الكلمة من حد تاني غالي عليا، وبرجع أقول: "شفتِ؟؟ ما انتِ عشان قلتِ الكلمة الفلانية دي للشخص الفلاني وكنتِ متسرعة في الحكم عليه"، بعرف ساعتها قد إيه ربنا بيربيني .. قد إيه يمهل ولا يهمل ! وقد إيه بيصبر عليا مش بيعاقبني من أول مرة أذنب فيها ولا حتى من عاشر مرة !


وأكتر حاجة أنا مستشعراها الأيام دي الحاجات اللي ربنا بيحطها في طريقي، من علامات ومواقف صغيرة وأحداث كبيرة وكلام بسمعه وساعات حتى تريقة باخدها، وكل ده عشان هو عاوز يعلمني حاجة، وعشان أنا لسه معنديش خبرة كفاية، وهو عاوز يرجعني له ويخليني أسأله وأدعي وأستخدم اللي بسميه "سحر الاستخارة" اللي خلاص أدمنت عليه، لما بحس إن الدنيا ضاقت بيا ومحدش هينفعني بدعي دعاء الاستخارة وبصلي ركعتين، والله ما في مرة استخرته إلا ولقيت رسالة منه.. بضحك وبفرح أوي لما بفتكرني وأنا صغيرة ومكنتش لسه فاهمة معنى الاستخارة أوي وكان نفسي في حاجة جدًا جدًا فعملت استخارة عشان تبقى موجودة ونمت وصحيت لقيت الحاجة دي رغم إنها كانت مكسورة :)))) .. وحتى لما كبرت، بقيت بستخيره في حاجات أنا شايفاها مصيرية في حياتي، كان بيحطلي علامات في الطريق عشان يدلّني، وخلاص بعرف إن أمره نافذ .. وإنه ميتعاندش، وإني مهما عملت اللي أنا عايزاه مش اللي هو عاوزه هلف ألف وأرجع أنفذ اللي هو عاوزه، لأنه خير ليا .. ولأن ربنا مبيعملش حاجة غير لما تكون فيها تقويم وإصلاح وتعليم وهداية ومنفعة ليا سواء في الدين أو في الدنيا ♥


عن الطبطبة الإلهية ... لما أكون زعلانة ولا مشتاقة لحد أوي، عمري ما بكيت أوي وتعبت أوي إلا لما لقيت منه حاجات صغيرة أوي مبهجة، هو واخد باله منها وفاهمني من غير ما أشرح له وحاسسني من غير ما أحكيله ،ولما أكون نفسي أشوف بابا الله يرحمه أوي بيبعتلي حلم يصبرني، حتى لو حلم بيضايقني شوية، وفي الآخر بيطلع الحلم ده عشان هو عاوز ينبهني لذنب بعمله عن طريق شخص غالي أوي ومش هيرجع للدنيا تاني، وحاسس بيا أكتر من اللي عايشين، فهيبقى التأثير عليا أقوى وأقوى .. حتى الأحلام دي بتطمني لما أبقى قلقانة من حاجة في حياتي ..ياااااااه .. ده فضله كبير أوي، وإحنا دايمًا ناسيين وغافلين ومبنفكرش، رغم إن كل حاجة اتعملت وإحنا مشغولين بيها، هي اتعملت في الآخر لحكمة يعلمها هو وحده تقربّنا منه في النهاية برضه .. لا إله إلا هو .. نسيت كمان لما أبقى مكسورة من حد، وحصلت معايا فعلًا.. والله اتظلمت واتقال عليا كلام زور واتشتمت، وقدام الناس، وكل ده بسبب الحقد ! .. وهو جابلي حقي بعدها بسنتين بنفس الطريقة اللي اتاخد مني بيها .. سبحانه !


يا رب مجيش حاجة في ملكوتك، ولا في حكمتك في الحاجات الصغيرة اللي بتفوت عليا وبنساها معظم الوقت، يا رب مليش غيرك بجد،كلهم هيفارقوني وانت بس اللي موجود، ارض عنّي ومتخليش عملي كله هباءً منثورًا .. يا رب نوّرني ومتبقاش غضبان عليا وأنا أحسب أني أُحسِن صُنعًا ! خليك دايمًا جنبي واشملني بعطفك وطمأنتك .. أنا ضعيفة وصغيرة وخايفة ومحتاجالك بحجم الكون اللي خلقته يا رب .. حبني يا رب .. كن معايا يا رب .. أنا وكل المسلمين، وكل الضعفانين والشقيانين والمحتاجين والعشمانين واليائسين من الدنيا والباكين على بابك كل يوم، وحتى الغافلين عن وجودك أصلًا يا رب .. دنيا وآخرة استرنا كلنا يا رب .. يا رب !

Thursday, August 22, 2013

جند مجندة ..

إن الصداقة "الحميمة" وليدة الأسرار ، الآلام، الذكريات، والأحاديث الطويلة وليدة الأفكار الفائضة ، والمشاعر فاقدة الاحتواء .. وفاقدة الدفء . وتلك الأخيرة هي الأكثر مدعاة للحديث، فعندما -مثلًا- تطرق الوحدة باب قلبك بعنف، تشعر بالحاجة الملحّة إلى شخص واحد فقط دون غيره ، ذلك الشخص الذي تغمرك لذة الحديث إليه بلا نهاية، ويطمئنك أمامه عُريُك الشعوري بلا أدنى شعور بالخوف.. وأقول ذلك الشخص دون غيره لأنه هو وحده القادر على تخليصك من الهم المطبق على صدرك ; هم الوحدة ..

ما أسهل أن تقول أن الوحدة شيء رائع !.. ولكن الواقع مختلف تمامًا، فللوحدة هول، للوحدة رائحة تجعلك تشتهي البكاء من بعد البسمة، البكاء طويل المدى.. للوحدة قلب، كل نبضة له صاحبة ذكرى، تلك النبضات متصلة مباشرة بمراكز الإحساس في مخك، أغلب المشاعر التي تستثيرها مشاعر الخوف من الوحدة، التألم بسبب الذكريات، الكمَد من عمق الليل وظلامه وأصواته العابرة المخيفة ! الوحدة ليست بتلك البساطة أو الروعة.. إنها مستودع الأشجان وبحر الآلام الأُجاج !

وبحكم أني أحب أن أؤيد حديثي بالأمثلة، سأتحدث عن تلك المحادثات العميقة على شبكة الإنترنت ،حيث إني بشكل شخصي أفضلها أكثر من الحديث وجهًا لوجه. ثمة خواطر لا يمكنك البوح بها -في أشد أوقات حاجتك إليه- سوى عندما تجد نفسك أمام شاشة كمبيوتر وأمامك لوحة مفاتيح تعزف عليها لحن شجنك وذكرياتك وحوادث يومك ، ولا يكون للأعين الكثير من الفائدة في تلك المحادثات; إنه حديث روح وقلب جريحيْن قلِقيْن كتوميْن يجدان الترياق والطمأنينة وفيض الكلام بوجود الروح الشريكة في الحديث، تلك الروح المصطفاة عن أي جند مجندة مؤلّفة أخرى ! 

من أثقل الخواطر التي يمكنك أن تستهل بها حديثك لتتخفف منها: تلك الحوادث اليومية التي تتغذى على عمرك الذهني والنفسي والجسدي، فتشعر كأن لم يُستَنزَف منك شيء عندما تبدأ في الكلام وتذيب جليد قلبك وتذهب عن دماغك كل فكر يروّعك ويقض مضجعك. وما أجمله ذلك الوقت الساحر المسحور; الثلث الأخير من الليل ! فهو بمثابة مصفاة للروح من شوائب الحزن والقلق والإحباط وغيرها،وفي الأصل بمثابة روح ثالثة طيبة العشرة تشهد التحام روحك وصديقك وامتزاج قلبيكما ليصبحا قلبًا واحدًا، دون أن تزعجكما ، بل على العكس، إنها أيضًا تعيد إليكما ما سُرِق منكما من السكينة والدفء .

شديد النقاء ذلك الوقت في نهاية المحادثة التي تمتد لساعات، والذي يعبر فيه كل منكما عمّا بقي في القلب -فدومًا آخر كل شيء هو الأحلى- بغير اكتراث لذلك العقل المزعج الذي يفكّر بالمستقبل والعواقب بلا هوادة ولا شفقة على القلوب الممزّقة حرقةً وأنينًا وكبْتًا. يا لِها من مشاعر بريئة تطير بحرية ! ليس عليها رقيب سوى الرقي الروحي الذي تشعر به حينها، الرقي الذي يأخذك حتى من "الأنا الأعلى" التي بداخلك، فيرتفع بك إلى أسمى ما يمكن لبشر أن يبلغه في هذه الدنيا ..

بقي أن أصف كيف تكون الروح بعد البوح، إنها تصبح شفافة كما لو لم تشُبها شائبة من قبل، كما لو ما زالت على الفطرة النقيّة التي فطرها الله عليها، بريئة من الأسقام، ومن آلام الكتمان وتشتت الفكر في محاولات متكررة للبوْح في غير الليل. فيا أيّها الشاكي ألم الوحدة المزمن، إن لم تجد تلك الروح التي تحتوي روحك، فلا تزال الفرصة بحوزتك لتجد عونك في الحياة على تحمّل مشقاتها، وشبيه روحك الذي ينتشلها من غياهب الغربة ويسقيها من عذب الونس والراحة .

Tuesday, July 16, 2013

فضفضة .. وربما رسالة.

سلام عليك يا "شهر يار" .. نعم هذا أقرب اسم يعبّر عن حالتك الآن، فأنا أقص وأنت تسمع، ولكنّي أقص بخوف أكبر مما حملته "شهر زاد" ، فأنا الآن أعبّر عمّا دُفِن بداخلي أعوامًا حتى تحول إلى كومة من الأوراق المحترقة. كان يجب أن تطفو تلك الكومة على سطح قلبي في يوم من الأيام، ولكن بعد أن حوّل لون حبرها قلبي إلى اللون الأسود.. أظنّ أن هذا سيكون أشدّ عقاب تلقتيه في حياتك ، ولم أتخيّل أبدًا أنني سأسمح لنفسي بمجرد التفكير في هذه الخواطر، ليس فقط بالتحدث إليك عنها !

كنتَ بالنسبة لي شيئًا أعجز عن وصفه ، ولكن ما أستطيع قوله أن فقدانه قد سبب لي جرحًا غائرًا لم يندمل بعد ، وعذابًا لم تخفف وطأته الأيام. نجحت أمّي في رسم لوحة متقنة من صفاتٍ لم أرَها في رجل سواك، لوحة ألوانها الشرف ، والصدق، والإخلاص، والقوة والجَلَد.نعم تعلّمت منك الكثير. بمناسبة هذا الشهر الكريم الذي أكتب فيه هذا الكلام ، أذكر حين أخبرتك أمّي أني لا أريد إكمال صيام يوم عن آخره، أذكر جيدًا كيف وقفت أمامك وكيف كنت غاضبًا مني، كانت نظراتك تنمّ عن شيء لم تفهمه عقليتي المحدودة حينها، ولم تدرك تلك العقلية من ذلك الموقف سوى آلام الخوف- النفسية والجسدية - ولكن بعد مرور السنين استطعت أن أدرك منه لمحة، كيف أنّك كنت تغضب ويرتفع صوتك حبًا قبل رغبة في إخافتي،كيف أنك كنت حريصًا على دينك .آهٍ ! لَكَم كانت تؤلمني نبضات قلبي المجنونة حينما كنت أقف أمامك، لَكَم كان صوتها عاليًا لدرجة أني أسمعه الآن ! ولكني أيضًا لا زلت أذكر حديث أمي عنك، أنك لم تفكّر يومًا في أن تكون لامرأة غيرها، لم تغِب يومًا عن بالي جملتها الشهيرة:"أبوكِ كان بجد راجل شريف جدًا". سبب آخر من أسباب فخري بك هو ذلك السبب المعتاد لدى كل الأبناء، حينما أتيت إلى مدرستي في يوم الإفطار الجماعي لتسألني هل استمتعت باليوم أم لا، وكنت في قمة السعادة حين رأتني صديقاتي ويدي ممسكة بيدك في طريقنا إلى السيارة. أنتَ حقًا كنت وستظل مدعاة للفخر بالنسبة لي، يا من وُهِبت ما سيكون دائمًا من الصعب على قلبي أن ينساه !

نسيت أن أذكر بعضًا من صفاتك الجسدية رغبة في الشمول. أعترف أني أحب بنيانك القوي الصلب، بشرتك السمراء التي لا أعتقد أني سأحبها في رجل بعدك. عندما كنتَ تطلب منّي أن آخذ نظارتك لأضعها على الطاولة المجاورة لسريرك، كانت لحظات كفيلة بإعطائي فرصة للتأمّل فيما خلف تلكما الزجاجتين، هاتين الجوهرتين الأشبه بالعقيق. كان ذلك اللمعان البرّاق والحزن الدفين يختفيان دومًا عندما كنت ترتدي النظارة، كم أحببت لونهما "العسلي"! كم أحببت صوتك وبسمتك !.. كم أحببت رائحتك ! .. كم أحببت صوت خطوِك ! .. كم أحببت كل شيء فيك ! 

والآن دعني أتحدث إليك كما لو كنت جنّيَّ المصباح السحري وأجمع قطع الأمنيات المتناثرة في كل عام من عمري. يؤسفني أن أقول لك أنك قد أسأت فهمي، وربما أسأت فهم نفسك. لم أكن أريد منك نقودك فقط كما ظننت، لم أكن أرغب في الملابس أو الطعام أو مال تجمعه في سبيل "تأمين مستقبلي" كما كنت تقول دومًا. كنت فقط أود أن تتحدث إليّ حديث أبٍ لابنته، أن تكون علاقتنا مبنية على الاحترام الحقيقي وليس على الخوف، لا يعني هذا أني لا أحترمك، ولكنّ المسافة التي صنعتَها بيني وبينك ألبَست عليّ الأمر، هل أنا أحبّك وأحترمك حقًا أم فقط أخاف منك؟؟ أخاف من شبح يسمًى "بابا" ؟! .. حقًا لا أعرف ! ألم تلحظ أني ذكرت أمي بكثرة في هذا الحوار؟! .. عفوًا فلم تدع لي مجالًا لأوجه الحوار إلى وجهة أخرى; أمي كانت دائمًا حلقة الوصل بيني وبينك .. وربما كانت دائمًا الحائل بين حدوث العديد من المشكلات في الأسرة. لم أكن أودّ لأمي سوى أن تكون شريكة في الأحاديث بيننا ، وليست محاميًا يترافع في قضية ملؤها الغموض والترقب. كنتَ ستكون أبًا أفضل إن كنت تدخل إلى غرفتي ليلًا لتسألني عن نهار كل يوم شاق قضيته في المدرسة، لتطمئن من صدق ابتسامتي، لنجلس ونتسامر أنا وأنت وأمي وإخوتي ،لتضمني حتى أنام، لتعاقبني بحكمة ورفق،لتجلب لي لعبة وأنت عائد إلى المنزل، ولكن الحقيقة -التي لم تنكرها أنت يومًا- أنك لم تكن تعرف عنّي سوى سنّي وصفّي الدراسي وأني ذكيّة وأشبه جدتي، والدتك ! لم تكن حتى تخبرني أنك كنت تطلب مني الأشياء بكثرة لأنك تحب أن ترى وجهي كثيرًا ، هذه المعلومة التي أخبرتني أمي بها !

في الختام، أدعو الله أن يرحمك ويسكنك فسيح جناته، ويجمعني بك فيها ، بلا صخب ولا خوف ولا قلق ولا نَصَب .وأقول أنك أنت الرجل الذي توقّف عقلي عن استيعاب من بعده، لأنك قد تركت في أعماقي ما هو أصعب من أن يُنسَى وأسهل من أن يُغتفر. أسألك أيضًا أن تسامحني على هذا الكلام الذي لن يروق لكَ أبدًا لو كنتُ قد واجهتك به عندما كنت حيًا. وأعتذر لنفسي عنك، أنك لم تصقل فيّ الشجاعة لأقول لك مثل هذا الكلام، كما لو كنت أحاور صديقي، وليس أبي !

Monday, June 17, 2013

تلك التفاصيل الصغيرة..

إنها تلك التفاصيل الصغيرة التي تصنع سعادتنا ، وأحياناً شقاءنا .. بل هي تصنع عالمنا بأكمله في غفلة منّا. في لحظات انشغالنا عن التفكير في تلك التفاصيل الصغيرة -في ظل انغماسنا فيها أصلًا- يسير مجرى العمر ما بين زحف وهرولة، ما بين مشي وطيران.وفي تلك اللحظات التي تدغدغ التفاصيل فيها مشاعرنا، تتحدد هوية تلك المشاعر، فرِحة كانت أم حزينة ، تتبلور هوية ملامحنا ، أمزجتنا ، ألواننا. لكل تفصيلة لونها المبهج أو الكئيب، هذا اللون يتحدد فقط بنظرة بني البشر له.

ولتلك التفاصيل المبهجة حكايا لا حصر لها، كأن يجدّل هو لها شعرها رغم ما يواجه من تعثر يصل إلى حد الملل، لا يمكن لها أن تصف شعورها حيال جلوسه خلفها مجدّلا لها شعرها، إنها بعثرة مشاعر لا توصف، سعادة مختلطة بخجل ، دلال، سخط على شكل الجديلة ، تمني ألا ينتهي من ذلك العمل حتى تغفو هي.ومن ضروب التفاصيل المبهجة عندما تتعلّم خياطة زرّ لأول مرة في ظل وجود أبيها، عندما تسمع نبرة صوته الحادة ، والتي لا تملك أن تخفي الحب والحرص في الوقت نفسه، عندما يضع إصبعه على إصبعها الصغير لكيلا تصاب بأذى، في تلك اللحظة يتوقف الزمان، تبتسم لذلك الحب الذي تتنفسه في مجلس أبيها،ولكن تدمع عيناها ربما خوفاً من الفشل في حياكة الزر، ربما بهجة بحرص أبيها على سلامتها ، ربما تعجباً : فأمها حريٌّ بها أن تتولى تلك المشقة إذاً لماذا يفعل أبوها ذلك عنها؟!.من المبهج أيضاً أن يفتح رجل الأعمال دفتر الصور القديمة الذي غطاه تراب مرور الزمن، فيدرك أن ملامحه قد تغيّرت ، يدقق في ابتسامته التي كانت لا تفارقه، في عينيه التي لم يكن يرهقهما السهر، في ضحكة صديقه الشهيرة بالبله، يتذكر الأيام الخوالي التي كان يلازم فيها الصحب بلا هموم ولا مسؤوليات وصولاً إلى الذكرى التي انتهت إليها ذاكرته، مسرعة أمام عينيه كمقصورات قطار متلاحقة في سرعة من الصعب أن يدركها النظر، إنها ذكرى ذلك اليوم الذي التُقِطَت فيه تلك الصورة.وعندما تحتضن طفلها الرضيع وتنظر إلى عينيه فتجد عالماً من البراءة ،ما إن تنتبه حتى تعي أنها كانت غارقة فيه بكل كيانها، تلاحظ تفاصيله الصغيرة الأخرى كقدمه التي هي أصغر من كفّها، تلك القدم المُحمرّة في تورُّد، التي ستمر الأيام ويخطو بها رضيعها خطواته الأولى مستنداً إلى المقعد ، ومن ثم يبدأ في المشي بلا مساعدة ، وأخيراً الركض الذي تغفل عنه أحياناً حتى تجد حطام قطعة أثاث ، وتتعثر أحياناً حتى تلحق بتلك الأقدام الشقية، داعية ربّها أن يعطيها العمر والبصيرة لترى كل تلك التفاصيل التي لا يجدر بها سوى أن تُحفظ وتخلّد.والكثير الكثير من التفاصيل الدقيقة التي قد لا أنتهي إن فصّلت في ذكرها.كفاني فقط أن أقول أن الاهتمام بتلك التفاصيل يكفل للبشر حياة تشتاق إلى الملل.

أما عن التفاصيل المؤلمة ، هي أيضاً لها حَكايا، ولكن الاهتمام بها متعب للأعصاب، عاصف للأذهان، موجع للقلوب، جالب للأسقام، ولكن دعوني ألتزم الحياد في قولي وأقول أن لها أيضاً فوائد، نعم، إنها تلك الفوائد التي لا ندركها سوى عندما نشعر بصفعة القدر لنا، تتمثل في الصدمات التي تتغافل عنها العقول نتيجة للنهم من جوف المشاعر، ضائعة في دوامة الوهم، ربما أيضاً دوامة الحلم الذي لم نُفِق منه -في الغالب بإرادتنا- عندما أسكتنا أفواه وعينا ، وأعطينا لعواطفنا السلطة المطلقة على مسار حياتنا ، ولن أبالغ عندما أقول مصائرنا أيضاً. إن تلك التفاصيل تكشف الأكاذيب، وتنزع الأقنعة، وتنسينا أعباءً وضعناها على أنفسنا وهي ليست منّا، كالاهتمام -المبالغ فيه- بالسمعة، الوقار المصطنع، الصورة الحسنة في عيون الآخرين، وغيرها الكثير.ومن أمثلة تلك التفاصيل أيضاً، ذلك الموعد الذي أعطاه الابن البارّ لأمه المسنّة ليزورها برفقة زوجته وأولاده، إنها تتذكر جيداً ذلك الموعد، وما يصحبه من ضرورة وجود ألعاب لأطفاله، وبالضرورة ذلك المشروب الذي لا يجد ابنها الحبيب ألذّ منه في أي مكان، فقد اعتاده منذ زمن بعيد، ولكن ... جاء الموعد، مرّت خمس عشرة دقيقة، نصف ساعة ، ساعة ، وفجأة ساعتان وثلاث وأربع، تتصل بابنها ليقول لها: "آسف يا أمّي، لقد نسيت الموعد! تعلمين بالتأكيد صعوبة العمل الذي أمتهنه، وإزعاج زوجتي المتطلّبة ، مما جعلني أصطحبها في نزهة لأتخلّص من اسطوانتها "المشروخة"، أعدِك بموعد آخر ألتزم به ، أراكِ بخير أمي .. إلى اللقاء."وتبدأ دموعها في الانهمار ، حزنًا وحسرة ، لكم أن تتخيلوا كم ذلك الموقف قاسٍ!.وعندما تسمع مقطوعة موسيقية هادئة، وفجأة تسمع في ثناياها صوت ذلك اللحن الخلفي الخافت، وتسمع معه دقة فريدة من دقات قلبك، غريبة وأيضاً مُربِكة.تلك تفاصيل مشتتة ، لا يمكنني أن أحصيها عدداً ..

تفاصيل وتفاصيل وتفاصيل ، لا أكثر منها في هذه الحياة ، تجتمع بحلوها ومرّها ، تشاطرنا أفراحنا وأحزاننا، ندور نحن في فلكها، كل يوم، كل ساعة وكل دقيقة. ما لا يمكنني إنكاره هو أننا ندّعي دوماً الاهتمام بالكبريات من الأحداث وأننا لا نهتم بالتفاصيل المملة التافهة، إنها ليست تافهة أيها البشر، لأن بدونها لن نجد نتائج ولا أحداثاً لنهتم بها ولا نصارع الحياة أو نمازحها لأجلها،إنها على دقتها تلك، إلا أنها غاية في الأهمية، كالوقت، الذي قد يحدد إهمالنا أو اهتمامنا بتفاصيله وساعاته ودقائقه قيمة تواجدنا في الحياة من أساسها !