Tuesday, April 21, 2015

العقلانية .. نعمة أم نقمة ؟



"عندما تتصف المرأة بالعقلانية في مجتمعاتنا الشرقية، فإنها توصم بها ولا تتميز بها "، جملة قالها لي أحدهم في سياق الحديث عن طرق تفكير متعددة. فالمرأة في تلك المجتمعات وُضعَت في قالب لا ينبغي لها أن تخرج عنه، فهي التي يجب أن تستمر في قصة حب تعلم أنها فاشلة لكيلا تُتَّهم بعدم الإخلاص، وهي التي يجب أن تنصاع للأوامر من زوج أو حماة أو حتى أب، وهي التي يجب ألا "تخرب بيتها" بيديها وغيرها من القوالب.وأود أن أتحدث هنا عن القالب الأول، أي الاستمرار في قصة حب فاشلة، وأن أوجّه خطابي إليكنّ معشر النساء. ماذا لو اقترب موعد تقدم ذلك الشاب لكِ، وأنتِ تعلمين تمامًا أنه مريض بمرض ينتقل بالوراثة، ولنقل السكري مثلًا ؟ هل ستوافقين ؟ هل ستبدئين مشوار حياتكِ مع من أردتِ الارتباط به سنوات ورسمتِ أحلامًا وردية لما ستفعلانه معًا بعد الخطبة وبعد الزواج؟ أم أن هناك صوتًا بداخلك سيحدثكِ بـ"لا" ! ، انتظري لحظة، إنه مريض بالسكري، وينتقل هذا المرض وراثيًا من الأب للأبناء باحتمالية أكبر من انتقاله من الأم لهم ؟ تأتي هنا لحظة الاختيار التي لم تحسبي لها حسابًا في خططكِ السعيدة. البعض يقول إن هذه بالطبع فرصة حياتها التي لا يجب أن تضيعها، فغيرها من الفتيات يتمنّين الزواج بمن يحببن وأن مرض هذا الشاب ليس بيده بل هو إرادة الخالق جل في علاه. إن كنتِ عاطفية كالكثير من فتيات الشرق ستقولين إني أحبه حبًا جمًا وقد لا تتسنّى لي هذه الفرصة مرة أخرى في حياتي،ثم إن احتمال إصابة أولادي مستقبلًا بمرض السكري ليس مؤكدًا مائة بالمائة وأن الأمراض والأعمار بيد الله وحده، يجب أن أكون أكثر إخلاصًا له من أن أتركه في محنة كهذه، وهو الذي يحتاج إلى من يؤازره ويربت على كتفه عندما تنقض عليه أعراض المرض،ولن يكون إلى جانبه حينئذٍ سواي، ببساطة لأنه أحبّني أنا واختارني أنا وكذلك أحببته واخترته أنا ! وغير ذلك من الفِكَر الرومانسية الحالمة. أما إذا كنتِ عقلانية كندرة من الشرقيات، قد تمتلكين رومانسية جميلة ولكنكِ ستعيدين النظر في موضوع الزيجة ككل، ستأتيكِ مخاوف من الشرق والغرب، سيخبركِ عقلكِ بأن أولادكِ مستقبلًا قد يدفعون ثمن أنانية والديْهم وقد يعيشون في عذاب مقاومة مرض لا شفاء منه في حال إصابتهم به، سيخبركِ عقلكِ أيضًا أن وهَنَ زوجكِ سوف يكون مبكرًا وقد تظهر عليه مضاعفات المرض سريعًا فلا ينام ليلًا بسبب كثرة التردد على المرحاض،ويرفض الغطاء في صقيع الشتاء لأنه يحصل على التدفئة اللازمة بسبب احتراق أعصاب أصابع قدميه، وغير ذلك من المخاطر الصحية المحدِقة به نتيجة لهذا المرض والتي قد تفتك بصحته يومًا ما، فلا هو بحي ولا هو بميت. والسكري مرض جسدي قد يُكتَشف له علاج في يوم من الأيام، ولكن الأمراض النفسية التي قد تُسمَّى أحيانًا بالطباع، تلك التي لا يمكنكِ تغييرها تمامًا مهما حاولتِ،لا شفاء منها، هذا إلى جانب غيرها من الأمراض النفسية. أضيفي إلى ذلك أن الرسول عليه الصلاة والسلام أخبرنا أن نعقلها ونتوكل، وأنه علينا الأخذ بالأسباب قبل الإقدام على أية خطوة في حياتنا، فمن باب أولى يحسُن بكِ اختيار زوج معافًى لكِ وأبٍ صحيح لأولادك،ومصارحة من كنتِ تحبينه بكل ما يدور في خاطركِ بمنتهى الصراحة إن شاء تقبّل وإن لم يشأ فليس بوسعكِ أن تقدمي له أكثر مما قدمتِ من مواساة !


ويُعرضنا لهذا الإشكال أن حياتنا مليئة بالأشياء غير المضمونة، وأن عقولنا دائمًا ما تتأرجح بين الاحتمالات وأن قلوبنا تتمزّق أثناء جلوسنا على مقاعد الانتظار، ننتهي من انتظار شيء لنقع في شرك انتظار شيء آخر، وكأنّما خُلِقنا لننتظر .. لننتظر ما نعلم تمام العلم أنه قد لا يأتي،وإن أتى قد يذهب مع الريح بين عشية وضحاها، ومع ذلك نتسامح فيما ضاع ونظل نمارس الانتظار بأريحية وتسليم. وقد يسعني هنا أن أسوق لكنّ أيتها النساء مثالًا آخر أظنّ أنه سيجعلكن تتفكرْن وتعِدن النظر في حياتكن. إذا كنتِ تتمنين شابًا بعينه وبمعنى أدق تنتظرينه، وبعد الوعود التي قدّمها لكِ بأنه الفارس الذي سيأتي لتركبي حصانه الأبيض وبأنه الأب الذي سيحنو على قلبكِ ويشفق على إرهاق جسدكِ من متاعب العمل والركض خلف الأولاد وبأنه المستمع الجيد الذي سيستمع إلى بكائك بلا تذمر وسيأخذ جملكِ غير المترابطة على محمل الحب بل وسيحتضنكِ بكل حنان وود، ولكِ أن تتخيلي ما تشائين من الصور الخيالية الرائعة، بعد كل تلك الوعود اكتشفتِ مثلًا أن والديه يتدخلان في حياته بتملكِ شديد وأن قراره ليس بيديه باختصار. إن كنتِ عاطفية ستتغافلين عن هذا العيب وستقولين إنه سيختفي بعد الزواج وأنكِ ستضعين حدًا لهذا التدخل السافر في شؤون منزلك بكل سهولة ! أما إذا كنتِ عقلانية، فستفكرين ألف مرة قبل الارتباط بهذا الشاب، ستضعين كل موقف سيحدث فيما بعد نُصب عينيكِ، ستذكركِ مخاوفكِ وشكوككِ بأنه قد تحين ساعة مخاضكِ ولن تجديه بجانبك ببساطة لأن والدته وحيدة وفي حاجة إلى جليس،في حين أن هناك من أبنائها وبناتها من هو أقدر على مجالستها منه ! وإذا اعترضتِ فلن تجدي من يقف في صفكِ حتى الأقربين إليكِ ! ستقودك ذاكرتك إلى تعليقاتها السخيفة على طريقة حياتكِ وطريقك مأكلكِ ومشربكِ وملبسكِ وحتى نظافتكِ الشخصية،وما خفي كان أعظم ! وستقودكِ أيضًا إلى تعليق والدِه على هرجِ ومرجِ أطفالك وهو الذي لا يعلم بكيفية تربيتهم مثلك ! وما أكثر الأمثلة ! وما أكثر المخاوف والتساؤلات ! وعند هذا الكم من التساؤلات والمخاوف تتحطم آمالك على صخرة الوهم،وستجدين ما كنتِ على وشكِ الحصول عليه من الأمان سرابًا، وستختفي الثقة التي هي من أهم ألبِنة البيت السعيد والحياة المستمرة للنهاية إن لم تكن أهمها على الإطلاق، لستُ بحاجة لأن أخبركِ ما معنى فقدان الأمان والثقة، الحاجتين الأساسيتين لأية امرأة في الدنيا، فأنتِ أكثر دراية بهذا مني ..


وفي النهاية، كإحدى فتيات الشرق، لا أعلم ما كنتُ لأفعل لو كنت مكانكِ، فليس من احترق بالنار كمن شاهدها، وأتمنّى لكِ اختي سديدًا وعقلانية تُحسَدين عليها لا تحاولين إخفاءها، ولا مانع من بعض العاطفة تكون كنسمة هواء رقيقة في يوم شديد الحرارة. وأتمنى لكل صديقاتي أزواجًا يقتدون بنبيّهم رجولة ومروءة وقوة وحنانًا،أتمنى لكنّ السعادة في الدنيا والآخ.


على الهامش: شكرًا لـ Sara Hussein التي شجعتني بعدما كنتُ يائسة من فكرة الكتابة برمتها :)) <3

3 comments:

  1. تستحق القراءة ^_^
    جميلة جداً
    و مش سارة بس اللي هتشجعك ع الكتابة حرام ان حضرتك متكتبيش

    ReplyDelete
  2. شكرًا جدًا !! التدوينة دي بالذات معجبتش ناس كتير .. شكرًا لذوقك :)))

    ReplyDelete

كومنتي