Friday, January 4, 2013

شـعور ذو حـدين

    إنه ذلك الشعور الخفي الذي يراود الإنسان بين الحين والآخر كلما التقى بفصيل معين من البشر ، ذلك الشعور الذي يجذبه ويطرده ; يجذبه نحو ذلك الفصيل بشدة ، يقف أمامه عاجزاً بلا حيلة .. ضعيفاً بلا إرادة .. صامتاً مذهولاً بلا كلمة ، وأيضاً يطرده .. يعزله وينفيه من بلاد نفسه التي لطالما أقام فيها وسيظل مقيماً فيها طيلة حياته ، فتلك هي إرادة الله في خَلْقه .. ما يثير سؤْلي هو كيف يتحكم هذا الشعور أحياناً في كينونة الإنسان وكيف أيضاً يجعله متمرداً على حياته بأكملها .. ناظراً فيها من الأدنى إلى الأقصى ، وأُرجع إجابة هذا السؤال إلى ذلك الفصيل -سالف الذكر- من البشر .. إنهم قد شُكِّلوا من طينة إنسانية مختلفة عن سائرهم من البشر ، طينةٍ خَوّلتهم أن يختلفوا ويصنعوا فارقاً في حياتهم وحياة آخرين منذ نعومة أظافرهم وحتى نهاية حياتهم .. تلك الطينة النقية الراقية قد استحالت بشراً نعاصرهم ونحادثهم يومياً، شهرياً ، أو حتى سنوياً .. ظاهرهم التشابه بينهم وبين الباقين ، وباطنهم ذلك التفرُّد والاختلاف ، ذلك هو الإحساس الذي يطرق باب قلبك ويتفجّر في خاطرك لحظة رؤيتهم أو حتى مجرد سماع أسمائهم ، فتظل حائراً تتساءل: لِمَ أشعر نحوهم بذلك الشعور الغريب المتناقض؟؟ .. لِمَ هُم هكذا؟! .. ويجري نهر أفكارك نحو مصبِّ أسئلة من هذا القبيل .. مجهولة الهوية بلا إجابة ..
   
     هو ذلك الشعور المحيّر ، قد يكون إحساساً بالدونية بالنسبة لهم .. بمعنى آخر : إحساساً بأنك أدنى منهم إما معرفة ، أو ثقافة ، أو رقياً ، أو أدنى منهم طيبةً في الطباع وحُسناً في السجايا! ، لكنه يبقى ذلك الشعور احتماليُّ الأبدية الذي يؤرّق المنام .. يشغل الخاطر .. يحتل ثنايا المشاعر ، قد يكون مجرّد إحساس بتميّز هؤلاء البشر الذي لا علاقة له بشخصِك ، قد يكون ذلك الشعور أيضاً هو مسمى آخر لعاطفة "الحب" تجاه أولئك الأشخاص ، لكن ما ليس عليه خلاف هو إنه شعور مثير للاستغراب والتساؤل..
   
    إنه شعور ذو حدين ، فيُشعِرُكَ أحياناً برغبة عارمة في القرب من هذا الفصيل البشري .. يُشعرك بوجوب تغيّرك جذرياً وهنا يُصبح دافعاً إيجابياً نحو صُنع شخص أفضل ، وأحياناً أخرى يشعرك بشيء أشبه بالغيرة التي قد تستعمر قلبك بلا رحمة إن سلّمتها زمامه ، وتحيله إلى قلب مليء بالأحقاد .. وفي النهاية تحيلك أنت أيضاً إلى شخص غير مرغوبٍ فيه ، شعور لا أجد له وصفاً دقيقاً .. شعور يجعل الإنسان يرتبط أكثر فأكثر بآخرين قد لا يشعرون بقدرهم في قلبه ، فيعتبرونه مجاملاً أو مبالغاً .. لكن الحقيقة على خلاف ذلك في رأيه ، إنه يرى أنه يضعهم في قالبهم الصحيح الذي لا يستحقون أقل منه ، ويجعله في الوقت نفسه ناقماً على طبيعته ، على أسلوبه في الحياة ، على الطريق الذي رسم لنفسه معالمه ، وحتى على الحياة التي قُدِّر له أن يعيشها بمحض إرادة الخالق ، شاعراً بنقص في نفسه لا علاج له ولا اكتمال مهما فعل .. ولكن، رغم تضارب هذا الشعور إلا إنه يظل طيلة الوقت خفيّاً، محيّراً ، غير مصرَّحٍ به!

سـها الوكـيل :)