Tuesday, July 16, 2013

فضفضة .. وربما رسالة.

سلام عليك يا "شهر يار" .. نعم هذا أقرب اسم يعبّر عن حالتك الآن، فأنا أقص وأنت تسمع، ولكنّي أقص بخوف أكبر مما حملته "شهر زاد" ، فأنا الآن أعبّر عمّا دُفِن بداخلي أعوامًا حتى تحول إلى كومة من الأوراق المحترقة. كان يجب أن تطفو تلك الكومة على سطح قلبي في يوم من الأيام، ولكن بعد أن حوّل لون حبرها قلبي إلى اللون الأسود.. أظنّ أن هذا سيكون أشدّ عقاب تلقتيه في حياتك ، ولم أتخيّل أبدًا أنني سأسمح لنفسي بمجرد التفكير في هذه الخواطر، ليس فقط بالتحدث إليك عنها !

كنتَ بالنسبة لي شيئًا أعجز عن وصفه ، ولكن ما أستطيع قوله أن فقدانه قد سبب لي جرحًا غائرًا لم يندمل بعد ، وعذابًا لم تخفف وطأته الأيام. نجحت أمّي في رسم لوحة متقنة من صفاتٍ لم أرَها في رجل سواك، لوحة ألوانها الشرف ، والصدق، والإخلاص، والقوة والجَلَد.نعم تعلّمت منك الكثير. بمناسبة هذا الشهر الكريم الذي أكتب فيه هذا الكلام ، أذكر حين أخبرتك أمّي أني لا أريد إكمال صيام يوم عن آخره، أذكر جيدًا كيف وقفت أمامك وكيف كنت غاضبًا مني، كانت نظراتك تنمّ عن شيء لم تفهمه عقليتي المحدودة حينها، ولم تدرك تلك العقلية من ذلك الموقف سوى آلام الخوف- النفسية والجسدية - ولكن بعد مرور السنين استطعت أن أدرك منه لمحة، كيف أنّك كنت تغضب ويرتفع صوتك حبًا قبل رغبة في إخافتي،كيف أنك كنت حريصًا على دينك .آهٍ ! لَكَم كانت تؤلمني نبضات قلبي المجنونة حينما كنت أقف أمامك، لَكَم كان صوتها عاليًا لدرجة أني أسمعه الآن ! ولكني أيضًا لا زلت أذكر حديث أمي عنك، أنك لم تفكّر يومًا في أن تكون لامرأة غيرها، لم تغِب يومًا عن بالي جملتها الشهيرة:"أبوكِ كان بجد راجل شريف جدًا". سبب آخر من أسباب فخري بك هو ذلك السبب المعتاد لدى كل الأبناء، حينما أتيت إلى مدرستي في يوم الإفطار الجماعي لتسألني هل استمتعت باليوم أم لا، وكنت في قمة السعادة حين رأتني صديقاتي ويدي ممسكة بيدك في طريقنا إلى السيارة. أنتَ حقًا كنت وستظل مدعاة للفخر بالنسبة لي، يا من وُهِبت ما سيكون دائمًا من الصعب على قلبي أن ينساه !

نسيت أن أذكر بعضًا من صفاتك الجسدية رغبة في الشمول. أعترف أني أحب بنيانك القوي الصلب، بشرتك السمراء التي لا أعتقد أني سأحبها في رجل بعدك. عندما كنتَ تطلب منّي أن آخذ نظارتك لأضعها على الطاولة المجاورة لسريرك، كانت لحظات كفيلة بإعطائي فرصة للتأمّل فيما خلف تلكما الزجاجتين، هاتين الجوهرتين الأشبه بالعقيق. كان ذلك اللمعان البرّاق والحزن الدفين يختفيان دومًا عندما كنت ترتدي النظارة، كم أحببت لونهما "العسلي"! كم أحببت صوتك وبسمتك !.. كم أحببت رائحتك ! .. كم أحببت صوت خطوِك ! .. كم أحببت كل شيء فيك ! 

والآن دعني أتحدث إليك كما لو كنت جنّيَّ المصباح السحري وأجمع قطع الأمنيات المتناثرة في كل عام من عمري. يؤسفني أن أقول لك أنك قد أسأت فهمي، وربما أسأت فهم نفسك. لم أكن أريد منك نقودك فقط كما ظننت، لم أكن أرغب في الملابس أو الطعام أو مال تجمعه في سبيل "تأمين مستقبلي" كما كنت تقول دومًا. كنت فقط أود أن تتحدث إليّ حديث أبٍ لابنته، أن تكون علاقتنا مبنية على الاحترام الحقيقي وليس على الخوف، لا يعني هذا أني لا أحترمك، ولكنّ المسافة التي صنعتَها بيني وبينك ألبَست عليّ الأمر، هل أنا أحبّك وأحترمك حقًا أم فقط أخاف منك؟؟ أخاف من شبح يسمًى "بابا" ؟! .. حقًا لا أعرف ! ألم تلحظ أني ذكرت أمي بكثرة في هذا الحوار؟! .. عفوًا فلم تدع لي مجالًا لأوجه الحوار إلى وجهة أخرى; أمي كانت دائمًا حلقة الوصل بيني وبينك .. وربما كانت دائمًا الحائل بين حدوث العديد من المشكلات في الأسرة. لم أكن أودّ لأمي سوى أن تكون شريكة في الأحاديث بيننا ، وليست محاميًا يترافع في قضية ملؤها الغموض والترقب. كنتَ ستكون أبًا أفضل إن كنت تدخل إلى غرفتي ليلًا لتسألني عن نهار كل يوم شاق قضيته في المدرسة، لتطمئن من صدق ابتسامتي، لنجلس ونتسامر أنا وأنت وأمي وإخوتي ،لتضمني حتى أنام، لتعاقبني بحكمة ورفق،لتجلب لي لعبة وأنت عائد إلى المنزل، ولكن الحقيقة -التي لم تنكرها أنت يومًا- أنك لم تكن تعرف عنّي سوى سنّي وصفّي الدراسي وأني ذكيّة وأشبه جدتي، والدتك ! لم تكن حتى تخبرني أنك كنت تطلب مني الأشياء بكثرة لأنك تحب أن ترى وجهي كثيرًا ، هذه المعلومة التي أخبرتني أمي بها !

في الختام، أدعو الله أن يرحمك ويسكنك فسيح جناته، ويجمعني بك فيها ، بلا صخب ولا خوف ولا قلق ولا نَصَب .وأقول أنك أنت الرجل الذي توقّف عقلي عن استيعاب من بعده، لأنك قد تركت في أعماقي ما هو أصعب من أن يُنسَى وأسهل من أن يُغتفر. أسألك أيضًا أن تسامحني على هذا الكلام الذي لن يروق لكَ أبدًا لو كنتُ قد واجهتك به عندما كنت حيًا. وأعتذر لنفسي عنك، أنك لم تصقل فيّ الشجاعة لأقول لك مثل هذا الكلام، كما لو كنت أحاور صديقي، وليس أبي !